بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سيدتي الرئيسة
السادة الأساتذة أعضاء لجنة المناقشة
حضرات السيدات والسادة
أيها الحضور الكريم
سلام الله عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز، وقبل أن أقدم عرضا موجزا عن البحث الذي يوجد بين يدي أعضاء اللجنة المحترمة، أن أقول كلمة حق وحروف شكر وعرفان.
فدائما هي سطور الشكر والثناء تكون في غاية الصعوبة عند الصياغة، ربما لأنها تشعرنا دوما بقصورها وعدم إيفائها حق من نهديه هذه الأسطر، واليوم تقف أمامي الصعوبة ذاتها، وأنا أحاول صياغة كلمات شكر وتقدير لسعادة الدكتورة دنيا مباركة، التي قدمت الكثير من أجلي، وتفضلت بسعة صدر قبول الإشراف على هذا العمل، وجادت بوقتها وعلمها في سبيل إفادتي رغم أشغالها المتعددة، فلا يسعني إلا الانحناء لها والدعاء الصادق من المولى أن يجعل كل ذلك في ميزان حسناتها.
والشكر ممتد للسادة الأساتذة الأفاضل، سعادة الدكتور عبد العزيز حضري الذي لم يتوانى في قبول مناقشة هذا العمل، أستاذ عهدت فيه جديته وعطاءه في المجال العلمي، أقول لك شكرا جزيلا يا أستاذي الكريم، وأسأل الله لك التوفيق والنجاح والتميز.
أيضا أتوجه بالشكر الجزيل لسعادة الدكتور محمد شهيب، الذي كرمني بأن يكون عضوا مناقشا لهذا العمل رغم مسؤولياته المتعددة، أستاذ نستمد منه روح البحث والعلم، فلك مني أجمل تحية لمجهوداتك الكبيرة التي لا تعد ولا تحصى.
والشكر موصول إلى سعادة الدكتور يحيى علوي، الذي تكبد عناء السفر من مدينة سطات، لكي يكرمني بأن يكون عضوا في لجنة المناقشة، فلك مني جزيل الشكر، ووفقك الله أينما كنت وكيفما كنت.
وواجب العرفان يدعوني إلى أن أتقدم بالشكر الكبير لسعادة الدكتور إدريس الفاخوري، مدير مخبر البحث في قانون الأسرة والهجرة، الأستاذ الذي يضحي بوقته وراحته وبكل غالي ليستمر البحث العلمي، حمل الأمانة وكان أهلا لها، أسأل الله تعالى له التوفيق والسداد، وأن ينعم عليه بالصحة والعافية، ويتم نعمته عليه بالفردوس الأعلى.
كما لا أنسى أن أدعو من الله عز وجل بموفور الصحة والعافية، وطول العمر للسادة الأساتذة كافة أعضاء مخبر البحث في قانون الأسرة والهجرة، ووالدي العزيزين على كل ما قدماه لي من دعم معنوي ومادي، فجزاكم الله عني خير الجزاء.
أما بعد: فموضوع أطروحتي يحمل عنوان الخصوصيات المسطرية في القضايا الأسرية
فمدونة الأسرة تعتبر من بين القوانين الخاصة التي تضمنت مجموعة من الإجراءات المسطرية المتعددة بالنظر إلى طبيعة وخصوصية قواعدها، والتي شملت كل مؤسساتها بدءا من عقد الزواج وإثبات العلاقة الزوجية، مرورا بالالتزامات المترتبة عنه من نفقة ونسب وحضانة وانتهاء بانتهاء الرابطة الزوجية، وتم تكريسها بمقتضيات وقواعد قانونية صريحة، يفهم من خلالها أن مشرع مدونة الأسرة جاء بفلسفة جديدة ترمي إلى عدم التطويل والتأخير، وكذا تكريس مبدأ المرونة والتيسير في اقتضاء الحقوق وفي الإجراءات المتبعة لتحقيق الهدف المطلوب لكل صاحب مصلحة على حق معين، عكس ما كانت عليه مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، والتي كانت مساطرها تتسم بالبطء والتأخير شيئا ما، إلى جانب تعقيد هذه الإجراءات وتشدد القضاء في التعامل معها مما كان يفقد هذه القواعد مغزاها ويجعلها سببا في التطبيق غير السليم للقواعد الموضوعية، الأمر الذي كان يؤثر سلبا على حقوق المتقاضين.
وتكمن أهمية هذا الموضوع، في كونه من أهم المواضيع التي تبرز مظاهر التوفيق التي نهجها المشرع المغربي في مدونة الأسرة، على مستوى قواعد الموضوع وقواعد الشكل، على اعتبار أن القضايا الأسرية تحتل مكانة هامة ضمن مجموع القضايا المسجلة أمام المحاكم المغربية، فكان لابد من إفرادها ببعض الخصوصيات تتلاءم والمنازعات الأسرية، بالإضافة إلى أنه من المواضيع التي يمكن من خلالها استعراض وتحليل كافة المقتضيات القانونية الواردة في مدونة الأسرة وقانون المسطرة المدنية التي تنظم قضايا الأسرة من حيث الإجراءات المتعلقة بسير الدعوى الأسرية والمراحل التي تمر بها، والإجراءات المسطرية اللازم إتباعها، ورصد الخصوصيات المسطرية التي تتميز بها هذه الدعاوى عن غيرها من الدعاوى الأخرى، مع محاولة مقاربة واقع تنزيل هذه الخصوصيات المسطرية على مستوى الممارسة القضائية لها من خلال العمل القضائي، وعلى مستوى الممارسة السليمة للمتقاضين لهذه القواعد المسطرية الخاصة، خاصة وأن مدونة الأحوال الشخصية الملغاة لم تكن تتضمن إلا القليل من القواعد الإجرائية التي تنظم القضايا الأسرية، والتي تتميز بنوع من التعقيد مما كان يترتب عنه عدة أضرار.
وتبعا لذلك فإذا كانت المادة الأسرية عرفت تعديلات جوهرية بصدور مدونة الأسرة، وهذه التعديلات مست كذلك الإجراءات المسطرية الخاصة بها، نظرا للإرتباط الوثيق بين القواعد الموضوعية والشكلية، فيمكن القول بأن هذا الموضوع يثير إشكالية عامة تتمحور حول مدى توفق مشرع مدونة الأسرة في تحقيق أمن قانوني وقضائي للأسرة من خلال المستجدات المسطرية التي جاء بها في هذا الإطار؟ وإلى أي حد كان موفقا في خلق انسجام بين قواعد قانون المسطرة المدنية مع النصوص المسطرية الواردة في مدونة الأسرة؟.
ومن أجل تحليل هذه الإشكالية ومقاربة الموضوع من زواياه المختلفة، أطرح أمامي جملة من الإشكالات الفرعية سيغطي تحليلها كل محاور هذا البحث، وذلك انطلاقا من التساؤل حول الخصوصية المسطرية لقضايا الأسرة على مستوى إجراءات رفع الدعوى؟ وما هي الإجراءات التي حددها المشرع لسلوك مسطرتي التبليغ والصلح؟ وأين تتجلى مظاهر الخصوصية للطعن في القضايا الأسرية؟ وكيف يتعامل القضاء المغربي مع المقتضيات المتعلقة بالتنفيذ في المادة الأسرية؟ وما هي الإكراهات التي تطال هذه الخصوصية على المستوى العملي؟.
للإجابة على الإشكالات السابقة الذكر، يقتضي الأمر إتباع مقاربة تعتمد على الإحاطة بمختلف جوانب الموضوع، لذلك فإن تناوله يستلزم دراسة تحليلية لمستجدات مدونة الأسرة في هذا الإطار، مع محاولة استقراء المضامين بشكل يوازي الجانب العملي، والإستشهاد بالأحكام والقرارات القضائية لمعرفة مكامن القصور والخلل، ومكامن الصواب، كما سيتم اعتماد مناهج أخرى كالمنهج الإستدلالي والنقدي لإبداء الرأي من خلال اعتماد أدوات البحث الأساسية.
وعليه فقد قمت بتقسيم الموضوع محل الدراسة إلى بابين:
تعرضت في الباب الأول لخصوصيات المسطرة في قضايا الأسرة قبل صدور الحكم، عن طريق تناوله في فصلين، رصد الأول إلى خصوصيات المسطرة على مستوى تحريك الدعوى، سواء من خلال تحديد الوجهة القضائية لحل النزاع من اختصاص نوعي واختصاص مكاني، أو من خلال إبراز الشكليات المرتبطة بالدعوى من رسوم قضائية والمسطرة المتبعة، وتحديد أطراف الدعوى والشروط الواجب توفرها فيهم حتى تكون مطالباتهم القضائية صحيحة.
بالمقابل انفرد الفصل الثاني بدراسة خصوصيات التبليغ والصلح في القضايا الأسريـة، على أساس أن التبليغ يعتبر أحد أهم القواعد بالنسبة للتقاضي، فهو يعتبر عماد المسطرة وإجراء جوهريا من إجراءاتها، يلازم الدعوى من بدايتها إلى نهايتها تحقيقا لمبدأ التواجهية في الخصومة.
ولقد نظم المشرع المغربي الإطار العام لمسطرة التبليغ من خلال مجموعة من فصول قانون المسطرة المدنية والتي يمكن الاعتماد عليها من أجل ضمان حضور أطراف الدعوى وسماع أقوالهم، كما أنه حدد الوسائل التي يمكن الاعتماد عليها من أجل إثبات العمل التبليغي، وذلك في حالة إنكار المتسلم حصول التبليغ.
وقد جاءت مدونة الأسرة بمقتضيات هامة على مستوى التبليغ تتماشى وخصوصية قضايا الأسرة، لذلك فقد حاولت الإحاطة بقواعده وطرق تطبيقه و الشكليات والبيانات المتطلبة فيه، ومختلف الأجهزة الموكول لها قانونا القيام بهذه العملية، والأشخاص المؤهلون لاستلام التبليغ بالإضافة إلى طرق إثباته.
بالإضافة إلى وقوفي عند الصلح في القضايا الأسرية، فنظرا لخصوصية العلاقات الأسرية ولحساسية القضايا المرتبطة بها، فإن المشرع المغربي وسعيا منه للحفاظ على استقرار الأسرة التي يتهدد كيانها بظاهرة إنهاء العلاقة الزوجية، ووعيا منه بالدور الذي يمكن أن يلعبه القضاء في التخفيف من حدة هذه الظاهرة، عمل على إدخال تعديلات جوهرية في مدونة الأسرة تتمثل أهمها في جعل الطلاق يتم تحت رقابة القضاء، لكون جميع الخطوات المتطلبة لإبقائه والمنظمة بنصوص خاصة تحت نظر المحكمة التي تملك سلطات واسعة أثناء النظر في دعوى الطلاق أو التطليق للتدخل من أجل القيام بالدور القانوني والاجتماعي المتاح لها، ومن بين هذه الأدوار التي تقوم بها المحكمة، هناك مسطرة الصلح التي يقوم بها القاضي في حال وقوع خلاف بين الزوجين، وهذه المسطرة لم تكن وليدة مدونة الأسرة بل كانت موجودة في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، إلا أنها في مدونة الأسرة أخذت حيزا كبيرا من اهتمام المشرع التي كرسها واعتبرها إجراء جوهريا لا محيد عنه، إذ ألزم المشرع القاضي بالعمل على الإصلاح بين الزوجين قبل قضائه بالطلاق أو التطليق بهدف إزالة أسباب الخلاف والشقاق بينهما وإعادة الحياة الزوجية إلى ما كانت عليه من نقاء وسكينة وحسن معاشرة.
وقد حددت مدونة الأسرة وسائل الإصلاح، يختار منها القاضي ما يناسب كل قضية على حدة عملا بسلطته التقديرية، إذ يمكن للمحكمة أن تضطلع بالقيام بمساعي الإصلاح بنفسها عند حضور طرفي النزاع أمام غرفة المشورة، أو تختار للقيام بذلك أطرافا من مجلس العائلة أو عن طريق انتداب حكمين لإصلاح ذات البين، إلا أن الملاحظ في الواقع العملي وجود صعوبات كثيرة ترتبط بعدة أسباب تحول دون قيام هذه المؤسسات بدورها الحقيقي الرامي لإصلاح ذات البين، وتقف حاجزا تحول دون تحقيقها للغاية المنشودة منها، ومن أجل تجاوز ذلك لا بد من تفعيل الآليات البديلة أو القيام بإصلاحات جذرية لها.
أما الباب الثاني فعملت فيه على تحليل خصوصيات المسطرة في قضايا الأسرة بعد صدور الحكم، وذلك من خلال فصلين، الفصل الأول عالجت فيه خصوصيات الطعن في المادة الأسرية، باعتباره يكتسي أهمية بالغة في الأحكام الأسرية، خاصة وأن المسطرة المتبعة فيه تحكمها ثنائية القواعد المنظمة لطرق الطعن، ما بين قانون المسطرة المدنية ومدونة الأسرة.
بالإضافة إلى وجود مجموعة من الاستثناءات في النزاعات الأسرية والتي تظهر بشكل جلي أكثر في الجانب المتعلق بالطعن بالاستئناف، فهذه القضايا الأسرية كغيرها من الدعاوى، تخضع للقواعد العامة المنظمة للطعن بالاستئناف، إلا أن الطبيعة الخاصة لها، جعلت المشرع ينظمها بخصوصيات مسطرية خاصة، يمكن ملاحظتها من خلال تحديد القواعد المسطرية للطعن بالاستئناف وتقليص الآجال المرتبطة به، و الأحكام القابلة للطعن به كما عمل مشرع مدونة الأسرة على إغلاق باب الطعن في الشق المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية، وحصر آثار الطعن بالاستئناف في مدونة الأسرة.
بالإضافة إلى دراستي باقي أنواع الطعون الأخرى في الأحكام الصادرة في المادة الأسرية، سواء تعلق الأمر بالطعن عن طريق التعرض أو عن طريق تعرض الخارج عن الخصومة الذي وضعه المشرع لكل شخص لم يكن طرفا ولا ممثلا في الدعوى، ليستطيع بمقتضاه أن يدفع الحكم الصادر فيها، إذا تبين له أن هذا الحكم يمس بحقوقه ويضر بمصالحه، أو عن طريق الطعن بإعادة النظر الذي يمكن أن يسلكه أحد الخصوم في الدعوى في حالات معينة، أو عن طريق الطعن بالنقض والذي يهدف عرض الحكم المطعون فيه على محكمة النقض قصد نقضه، وله أهمية خاصة على مستوى آثاره، ذلك أن الطعن بالنقض كقاعدة عامة لا يترتب عليه أي أثر من آثار الطعون العادية وخاصة وقف التنفيذ، لكن أهمية القضايا الأسرية وخطورتها تدفع إلى ترتيب هذا الأثر الأخير.
أما بخصوص الفصل الثاني من هذا الباب فيتمحور حول خصوصيات التنفيذ في المادة الأسرية، فكما هو معلوم فإن تنفيذ الأحكام يعتبر الوسيلة الوحيدة الكفيلة لدعم مصداقية القضاء و قوته، و الحفاظ على هيبته و ترسيخ دولة الحق والقانون، فهو ضمانة أساسية لتحقيق عدالة اجتماعية و لتوفير ثقة للمتقاضين و ضمان حقوقهم.
ويكتسي التنفيذ في إطار قضايا الأسرة أهمية بالغة نظرا للطابع الاجتماعي الذي يتميز به هذا المجال، ونظرا كذلك للحساسية التي تثيرها هذه القضايا وهو ما دفع المشرع إلى التركيز على الجانب التنفيذي سواء من خلال بعض نصوص قانون المسطرة المدنية وكذا مدونة الأسرة، وإبرازا لخصوصية التنفيذ في المادة الأسرية ومحاولة للتخفيف من الإشكالات المطروحة نجد أن المشرع سن ما يتناسب مع هذه الخصوصية من خلال إصباغ وصف النفاذ المعجل على الأحكام القاضية بالنفقة والتدابير المؤقتة وكذلك الأوامر الاستعجالية، وعمل على سن بعض الوسائل الكفيلة بضمان التنفيذ واستمرار يته، كما حدد تشريعيا جزاءات الإخلال بتنفيذ بعض الأحكام والتي لها ارتباطا مباشرا بهذه القضايا.
وتشكل الأحكام القضائية تعبيرا واضحا عن سيادة الدولة التي صدرت هذه الأحكام باسمها، بحيث ينحصر مفعولها داخل حدود هذه الدولة ولا يمتد إلى غيرها من الدول إلا بناء على إذن أو ترخيص صادر عن محاكم الدولة المراد تنفيذ هذه الأحكام على أرضها، وفقا لشروط محددة في قانون الدولة المطلوب فيها التنفيذ باعتبارها أحكاما أجنبية.
وبذلك فإن الأحكام الأجنبية الصادرة في المادة الأسرية تخضع كسائر الدعاوى للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، إضافة إلى قواعد خاصة منصوص عليها في مدونة الأسرة، أوجدها المشرع من أجل تبسيط المسطرة على الجالية المغربية المقيمة بالخارج.
لذلك فقد حاولت على امتداد صفحات هذا العمل أن أحيط ما استطعت بالقواعد الإجرائية لمسائل الأحوال الشخصية، وذلك عن طريق الإجابة على مجموعة من التساؤلات التي يطرحها الموضوع، خاصة وأنه تتداخل فيه مجموعة من النصوص الموضوعية والنصوص الإجرائية التي تتجاذب فيما بينها، ما بين عمومية القواعد المسطرية، وخصوصية مقتضيات مدونة الأسرة.
وذلك بالاستئناس بكثير من الأحكام والقرارات القضائية، والمواقف المتعددة للفقه المغربي، إلى جانب بعض التجارب التشريعية المقارنة المتعلقة بالقانون المسطري في المادة الأسرية عموما.
وعليه فيمكن القول بأن مشرع مدونة الأسرة بتنظيمه لما هو موضوعي وما هو إجرائي، تحكم فيه هاجس تخطي الثغرات التي من شأنها أن تعترض تفعيل المقتضيات الواردة في مدونة الأسرة، وحقق بذلك مجموعة من المكاسب الإجرائية للدعاوى الأسرية، سواء تعلق الأمر بتسريع البت في هذه الدعاوى، أو تبسيط إجراءات التقاضي.
إلا أنه تبين لي ومن خلال هذا البحث أن هذه الازدواجية طرحت مجموعة من الإشكالات، تمثلت أساسا في خلق تضارب ووجود تعارض بين القواعد الإجرائية الواردة في قانون المسطرة المدنية مع القضايا الأسرية، خاصة وأن تلك القواعد لم تراعي الخصوصيات التي تتميز بها هذه القضايا، سواء من حيث الاختصاص وسرية الجلسات والمساطر الاستعجالية أو على مستوى التبليغ والطعن و أخيرا التنفيذ، على اعتبار أن هذه القواعد تعتبر الأكثر تطبيقا على القضايا الأسرية لعدم وجود قانون إجرائي خاص بالمنازعات الأسرية، مما أفرز مجموعة من الإختلالات والتي يمكن ردها إما لغموض بعض النصوص القانونية أو لخلل في تطبيقها، أو يمكن إيعاز الأمر إلى الفراغ التشريعي فيها، والتي من شأنها أن تعرقل سير الدعاوى الأسرية.
وفي الختام فقد وجدت أن أفضل ما يمكن أن أختم به هذا الموضوع هو تحديد مجموعة من المقترحات، والتي يمكن أن تعالج ولو بشكل نسبي الإشكالات التي يطرحها الموضوع.
إلا أنه يمكن القول بأن المقترح العام والذي يمكن أن يحد من التداخل بين القواعد المسطرية والنصوص الموضوعية، هو محاولة المشرع المغربي وضع قواعد مسطرية تنظم إجراءات التقاضي في النزاعات الأسرية بشكل مستقل عن باقي الدعاوى الأخرى، من أجل التخفيف من تعقيد هذه القواعد الإجرائية عند تطبيقها عليها، حتى لا تفرغ الضمانات الواردة في مدونة الأسرة، و مراعيا بذلك الخصوصية التي تتميز بها هذه القضايا، ومتفاديا كل الإشكالات المطروحة فيها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سيدتي الرئيسة
السادة الأساتذة أعضاء لجنة المناقشة
حضرات السيدات والسادة
أيها الحضور الكريم
سلام الله عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز، وقبل أن أقدم عرضا موجزا عن البحث الذي يوجد بين يدي أعضاء اللجنة المحترمة، أن أقول كلمة حق وحروف شكر وعرفان.
فدائما هي سطور الشكر والثناء تكون في غاية الصعوبة عند الصياغة، ربما لأنها تشعرنا دوما بقصورها وعدم إيفائها حق من نهديه هذه الأسطر، واليوم تقف أمامي الصعوبة ذاتها، وأنا أحاول صياغة كلمات شكر وتقدير لسعادة الدكتورة دنيا مباركة، التي قدمت الكثير من أجلي، وتفضلت بسعة صدر قبول الإشراف على هذا العمل، وجادت بوقتها وعلمها في سبيل إفادتي رغم أشغالها المتعددة، فلا يسعني إلا الانحناء لها والدعاء الصادق من المولى أن يجعل كل ذلك في ميزان حسناتها.
والشكر ممتد للسادة الأساتذة الأفاضل، سعادة الدكتور عبد العزيز حضري الذي لم يتوانى في قبول مناقشة هذا العمل، أستاذ عهدت فيه جديته وعطاءه في المجال العلمي، أقول لك شكرا جزيلا يا أستاذي الكريم، وأسأل الله لك التوفيق والنجاح والتميز.
أيضا أتوجه بالشكر الجزيل لسعادة الدكتور محمد شهيب، الذي كرمني بأن يكون عضوا مناقشا لهذا العمل رغم مسؤولياته المتعددة، أستاذ نستمد منه روح البحث والعلم، فلك مني أجمل تحية لمجهوداتك الكبيرة التي لا تعد ولا تحصى.
والشكر موصول إلى سعادة الدكتور يحيى علوي، الذي تكبد عناء السفر من مدينة سطات، لكي يكرمني بأن يكون عضوا في لجنة المناقشة، فلك مني جزيل الشكر، ووفقك الله أينما كنت وكيفما كنت.
وواجب العرفان يدعوني إلى أن أتقدم بالشكر الكبير لسعادة الدكتور إدريس الفاخوري، مدير مخبر البحث في قانون الأسرة والهجرة، الأستاذ الذي يضحي بوقته وراحته وبكل غالي ليستمر البحث العلمي، حمل الأمانة وكان أهلا لها، أسأل الله تعالى له التوفيق والسداد، وأن ينعم عليه بالصحة والعافية، ويتم نعمته عليه بالفردوس الأعلى.
كما لا أنسى أن أدعو من الله عز وجل بموفور الصحة والعافية، وطول العمر للسادة الأساتذة كافة أعضاء مخبر البحث في قانون الأسرة والهجرة، ووالدي العزيزين على كل ما قدماه لي من دعم معنوي ومادي، فجزاكم الله عني خير الجزاء.
أما بعد: فموضوع أطروحتي يحمل عنوان الخصوصيات المسطرية في القضايا الأسرية
فمدونة الأسرة تعتبر من بين القوانين الخاصة التي تضمنت مجموعة من الإجراءات المسطرية المتعددة بالنظر إلى طبيعة وخصوصية قواعدها، والتي شملت كل مؤسساتها بدءا من عقد الزواج وإثبات العلاقة الزوجية، مرورا بالالتزامات المترتبة عنه من نفقة ونسب وحضانة وانتهاء بانتهاء الرابطة الزوجية، وتم تكريسها بمقتضيات وقواعد قانونية صريحة، يفهم من خلالها أن مشرع مدونة الأسرة جاء بفلسفة جديدة ترمي إلى عدم التطويل والتأخير، وكذا تكريس مبدأ المرونة والتيسير في اقتضاء الحقوق وفي الإجراءات المتبعة لتحقيق الهدف المطلوب لكل صاحب مصلحة على حق معين، عكس ما كانت عليه مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، والتي كانت مساطرها تتسم بالبطء والتأخير شيئا ما، إلى جانب تعقيد هذه الإجراءات وتشدد القضاء في التعامل معها مما كان يفقد هذه القواعد مغزاها ويجعلها سببا في التطبيق غير السليم للقواعد الموضوعية، الأمر الذي كان يؤثر سلبا على حقوق المتقاضين.
وتكمن أهمية هذا الموضوع، في كونه من أهم المواضيع التي تبرز مظاهر التوفيق التي نهجها المشرع المغربي في مدونة الأسرة، على مستوى قواعد الموضوع وقواعد الشكل، على اعتبار أن القضايا الأسرية تحتل مكانة هامة ضمن مجموع القضايا المسجلة أمام المحاكم المغربية، فكان لابد من إفرادها ببعض الخصوصيات تتلاءم والمنازعات الأسرية، بالإضافة إلى أنه من المواضيع التي يمكن من خلالها استعراض وتحليل كافة المقتضيات القانونية الواردة في مدونة الأسرة وقانون المسطرة المدنية التي تنظم قضايا الأسرة من حيث الإجراءات المتعلقة بسير الدعوى الأسرية والمراحل التي تمر بها، والإجراءات المسطرية اللازم إتباعها، ورصد الخصوصيات المسطرية التي تتميز بها هذه الدعاوى عن غيرها من الدعاوى الأخرى، مع محاولة مقاربة واقع تنزيل هذه الخصوصيات المسطرية على مستوى الممارسة القضائية لها من خلال العمل القضائي، وعلى مستوى الممارسة السليمة للمتقاضين لهذه القواعد المسطرية الخاصة، خاصة وأن مدونة الأحوال الشخصية الملغاة لم تكن تتضمن إلا القليل من القواعد الإجرائية التي تنظم القضايا الأسرية، والتي تتميز بنوع من التعقيد مما كان يترتب عنه عدة أضرار.
وتبعا لذلك فإذا كانت المادة الأسرية عرفت تعديلات جوهرية بصدور مدونة الأسرة، وهذه التعديلات مست كذلك الإجراءات المسطرية الخاصة بها، نظرا للإرتباط الوثيق بين القواعد الموضوعية والشكلية، فيمكن القول بأن هذا الموضوع يثير إشكالية عامة تتمحور حول مدى توفق مشرع مدونة الأسرة في تحقيق أمن قانوني وقضائي للأسرة من خلال المستجدات المسطرية التي جاء بها في هذا الإطار؟ وإلى أي حد كان موفقا في خلق انسجام بين قواعد قانون المسطرة المدنية مع النصوص المسطرية الواردة في مدونة الأسرة؟.
ومن أجل تحليل هذه الإشكالية ومقاربة الموضوع من زواياه المختلفة، أطرح أمامي جملة من الإشكالات الفرعية سيغطي تحليلها كل محاور هذا البحث، وذلك انطلاقا من التساؤل حول الخصوصية المسطرية لقضايا الأسرة على مستوى إجراءات رفع الدعوى؟ وما هي الإجراءات التي حددها المشرع لسلوك مسطرتي التبليغ والصلح؟ وأين تتجلى مظاهر الخصوصية للطعن في القضايا الأسرية؟ وكيف يتعامل القضاء المغربي مع المقتضيات المتعلقة بالتنفيذ في المادة الأسرية؟ وما هي الإكراهات التي تطال هذه الخصوصية على المستوى العملي؟.
للإجابة على الإشكالات السابقة الذكر، يقتضي الأمر إتباع مقاربة تعتمد على الإحاطة بمختلف جوانب الموضوع، لذلك فإن تناوله يستلزم دراسة تحليلية لمستجدات مدونة الأسرة في هذا الإطار، مع محاولة استقراء المضامين بشكل يوازي الجانب العملي، والإستشهاد بالأحكام والقرارات القضائية لمعرفة مكامن القصور والخلل، ومكامن الصواب، كما سيتم اعتماد مناهج أخرى كالمنهج الإستدلالي والنقدي لإبداء الرأي من خلال اعتماد أدوات البحث الأساسية.
وعليه فقد قمت بتقسيم الموضوع محل الدراسة إلى بابين:
تعرضت في الباب الأول لخصوصيات المسطرة في قضايا الأسرة قبل صدور الحكم، عن طريق تناوله في فصلين، رصد الأول إلى خصوصيات المسطرة على مستوى تحريك الدعوى، سواء من خلال تحديد الوجهة القضائية لحل النزاع من اختصاص نوعي واختصاص مكاني، أو من خلال إبراز الشكليات المرتبطة بالدعوى من رسوم قضائية والمسطرة المتبعة، وتحديد أطراف الدعوى والشروط الواجب توفرها فيهم حتى تكون مطالباتهم القضائية صحيحة.
بالمقابل انفرد الفصل الثاني بدراسة خصوصيات التبليغ والصلح في القضايا الأسريـة، على أساس أن التبليغ يعتبر أحد أهم القواعد بالنسبة للتقاضي، فهو يعتبر عماد المسطرة وإجراء جوهريا من إجراءاتها، يلازم الدعوى من بدايتها إلى نهايتها تحقيقا لمبدأ التواجهية في الخصومة.
ولقد نظم المشرع المغربي الإطار العام لمسطرة التبليغ من خلال مجموعة من فصول قانون المسطرة المدنية والتي يمكن الاعتماد عليها من أجل ضمان حضور أطراف الدعوى وسماع أقوالهم، كما أنه حدد الوسائل التي يمكن الاعتماد عليها من أجل إثبات العمل التبليغي، وذلك في حالة إنكار المتسلم حصول التبليغ.
وقد جاءت مدونة الأسرة بمقتضيات هامة على مستوى التبليغ تتماشى وخصوصية قضايا الأسرة، لذلك فقد حاولت الإحاطة بقواعده وطرق تطبيقه و الشكليات والبيانات المتطلبة فيه، ومختلف الأجهزة الموكول لها قانونا القيام بهذه العملية، والأشخاص المؤهلون لاستلام التبليغ بالإضافة إلى طرق إثباته.
بالإضافة إلى وقوفي عند الصلح في القضايا الأسرية، فنظرا لخصوصية العلاقات الأسرية ولحساسية القضايا المرتبطة بها، فإن المشرع المغربي وسعيا منه للحفاظ على استقرار الأسرة التي يتهدد كيانها بظاهرة إنهاء العلاقة الزوجية، ووعيا منه بالدور الذي يمكن أن يلعبه القضاء في التخفيف من حدة هذه الظاهرة، عمل على إدخال تعديلات جوهرية في مدونة الأسرة تتمثل أهمها في جعل الطلاق يتم تحت رقابة القضاء، لكون جميع الخطوات المتطلبة لإبقائه والمنظمة بنصوص خاصة تحت نظر المحكمة التي تملك سلطات واسعة أثناء النظر في دعوى الطلاق أو التطليق للتدخل من أجل القيام بالدور القانوني والاجتماعي المتاح لها، ومن بين هذه الأدوار التي تقوم بها المحكمة، هناك مسطرة الصلح التي يقوم بها القاضي في حال وقوع خلاف بين الزوجين، وهذه المسطرة لم تكن وليدة مدونة الأسرة بل كانت موجودة في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، إلا أنها في مدونة الأسرة أخذت حيزا كبيرا من اهتمام المشرع التي كرسها واعتبرها إجراء جوهريا لا محيد عنه، إذ ألزم المشرع القاضي بالعمل على الإصلاح بين الزوجين قبل قضائه بالطلاق أو التطليق بهدف إزالة أسباب الخلاف والشقاق بينهما وإعادة الحياة الزوجية إلى ما كانت عليه من نقاء وسكينة وحسن معاشرة.
وقد حددت مدونة الأسرة وسائل الإصلاح، يختار منها القاضي ما يناسب كل قضية على حدة عملا بسلطته التقديرية، إذ يمكن للمحكمة أن تضطلع بالقيام بمساعي الإصلاح بنفسها عند حضور طرفي النزاع أمام غرفة المشورة، أو تختار للقيام بذلك أطرافا من مجلس العائلة أو عن طريق انتداب حكمين لإصلاح ذات البين، إلا أن الملاحظ في الواقع العملي وجود صعوبات كثيرة ترتبط بعدة أسباب تحول دون قيام هذه المؤسسات بدورها الحقيقي الرامي لإصلاح ذات البين، وتقف حاجزا تحول دون تحقيقها للغاية المنشودة منها، ومن أجل تجاوز ذلك لا بد من تفعيل الآليات البديلة أو القيام بإصلاحات جذرية لها.
أما الباب الثاني فعملت فيه على تحليل خصوصيات المسطرة في قضايا الأسرة بعد صدور الحكم، وذلك من خلال فصلين، الفصل الأول عالجت فيه خصوصيات الطعن في المادة الأسرية، باعتباره يكتسي أهمية بالغة في الأحكام الأسرية، خاصة وأن المسطرة المتبعة فيه تحكمها ثنائية القواعد المنظمة لطرق الطعن، ما بين قانون المسطرة المدنية ومدونة الأسرة.
بالإضافة إلى وجود مجموعة من الاستثناءات في النزاعات الأسرية والتي تظهر بشكل جلي أكثر في الجانب المتعلق بالطعن بالاستئناف، فهذه القضايا الأسرية كغيرها من الدعاوى، تخضع للقواعد العامة المنظمة للطعن بالاستئناف، إلا أن الطبيعة الخاصة لها، جعلت المشرع ينظمها بخصوصيات مسطرية خاصة، يمكن ملاحظتها من خلال تحديد القواعد المسطرية للطعن بالاستئناف وتقليص الآجال المرتبطة به، و الأحكام القابلة للطعن به كما عمل مشرع مدونة الأسرة على إغلاق باب الطعن في الشق المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية، وحصر آثار الطعن بالاستئناف في مدونة الأسرة.
بالإضافة إلى دراستي باقي أنواع الطعون الأخرى في الأحكام الصادرة في المادة الأسرية، سواء تعلق الأمر بالطعن عن طريق التعرض أو عن طريق تعرض الخارج عن الخصومة الذي وضعه المشرع لكل شخص لم يكن طرفا ولا ممثلا في الدعوى، ليستطيع بمقتضاه أن يدفع الحكم الصادر فيها، إذا تبين له أن هذا الحكم يمس بحقوقه ويضر بمصالحه، أو عن طريق الطعن بإعادة النظر الذي يمكن أن يسلكه أحد الخصوم في الدعوى في حالات معينة، أو عن طريق الطعن بالنقض والذي يهدف عرض الحكم المطعون فيه على محكمة النقض قصد نقضه، وله أهمية خاصة على مستوى آثاره، ذلك أن الطعن بالنقض كقاعدة عامة لا يترتب عليه أي أثر من آثار الطعون العادية وخاصة وقف التنفيذ، لكن أهمية القضايا الأسرية وخطورتها تدفع إلى ترتيب هذا الأثر الأخير.
أما بخصوص الفصل الثاني من هذا الباب فيتمحور حول خصوصيات التنفيذ في المادة الأسرية، فكما هو معلوم فإن تنفيذ الأحكام يعتبر الوسيلة الوحيدة الكفيلة لدعم مصداقية القضاء و قوته، و الحفاظ على هيبته و ترسيخ دولة الحق والقانون، فهو ضمانة أساسية لتحقيق عدالة اجتماعية و لتوفير ثقة للمتقاضين و ضمان حقوقهم.
ويكتسي التنفيذ في إطار قضايا الأسرة أهمية بالغة نظرا للطابع الاجتماعي الذي يتميز به هذا المجال، ونظرا كذلك للحساسية التي تثيرها هذه القضايا وهو ما دفع المشرع إلى التركيز على الجانب التنفيذي سواء من خلال بعض نصوص قانون المسطرة المدنية وكذا مدونة الأسرة، وإبرازا لخصوصية التنفيذ في المادة الأسرية ومحاولة للتخفيف من الإشكالات المطروحة نجد أن المشرع سن ما يتناسب مع هذه الخصوصية من خلال إصباغ وصف النفاذ المعجل على الأحكام القاضية بالنفقة والتدابير المؤقتة وكذلك الأوامر الاستعجالية، وعمل على سن بعض الوسائل الكفيلة بضمان التنفيذ واستمرار يته، كما حدد تشريعيا جزاءات الإخلال بتنفيذ بعض الأحكام والتي لها ارتباطا مباشرا بهذه القضايا.
وتشكل الأحكام القضائية تعبيرا واضحا عن سيادة الدولة التي صدرت هذه الأحكام باسمها، بحيث ينحصر مفعولها داخل حدود هذه الدولة ولا يمتد إلى غيرها من الدول إلا بناء على إذن أو ترخيص صادر عن محاكم الدولة المراد تنفيذ هذه الأحكام على أرضها، وفقا لشروط محددة في قانون الدولة المطلوب فيها التنفيذ باعتبارها أحكاما أجنبية.
وبذلك فإن الأحكام الأجنبية الصادرة في المادة الأسرية تخضع كسائر الدعاوى للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، إضافة إلى قواعد خاصة منصوص عليها في مدونة الأسرة، أوجدها المشرع من أجل تبسيط المسطرة على الجالية المغربية المقيمة بالخارج.
لذلك فقد حاولت على امتداد صفحات هذا العمل أن أحيط ما استطعت بالقواعد الإجرائية لمسائل الأحوال الشخصية، وذلك عن طريق الإجابة على مجموعة من التساؤلات التي يطرحها الموضوع، خاصة وأنه تتداخل فيه مجموعة من النصوص الموضوعية والنصوص الإجرائية التي تتجاذب فيما بينها، ما بين عمومية القواعد المسطرية، وخصوصية مقتضيات مدونة الأسرة.
وذلك بالاستئناس بكثير من الأحكام والقرارات القضائية، والمواقف المتعددة للفقه المغربي، إلى جانب بعض التجارب التشريعية المقارنة المتعلقة بالقانون المسطري في المادة الأسرية عموما.
وعليه فيمكن القول بأن مشرع مدونة الأسرة بتنظيمه لما هو موضوعي وما هو إجرائي، تحكم فيه هاجس تخطي الثغرات التي من شأنها أن تعترض تفعيل المقتضيات الواردة في مدونة الأسرة، وحقق بذلك مجموعة من المكاسب الإجرائية للدعاوى الأسرية، سواء تعلق الأمر بتسريع البت في هذه الدعاوى، أو تبسيط إجراءات التقاضي.
إلا أنه تبين لي ومن خلال هذا البحث أن هذه الازدواجية طرحت مجموعة من الإشكالات، تمثلت أساسا في خلق تضارب ووجود تعارض بين القواعد الإجرائية الواردة في قانون المسطرة المدنية مع القضايا الأسرية، خاصة وأن تلك القواعد لم تراعي الخصوصيات التي تتميز بها هذه القضايا، سواء من حيث الاختصاص وسرية الجلسات والمساطر الاستعجالية أو على مستوى التبليغ والطعن و أخيرا التنفيذ، على اعتبار أن هذه القواعد تعتبر الأكثر تطبيقا على القضايا الأسرية لعدم وجود قانون إجرائي خاص بالمنازعات الأسرية، مما أفرز مجموعة من الإختلالات والتي يمكن ردها إما لغموض بعض النصوص القانونية أو لخلل في تطبيقها، أو يمكن إيعاز الأمر إلى الفراغ التشريعي فيها، والتي من شأنها أن تعرقل سير الدعاوى الأسرية.
وفي الختام فقد وجدت أن أفضل ما يمكن أن أختم به هذا الموضوع هو تحديد مجموعة من المقترحات، والتي يمكن أن تعالج ولو بشكل نسبي الإشكالات التي يطرحها الموضوع.
إلا أنه يمكن القول بأن المقترح العام والذي يمكن أن يحد من التداخل بين القواعد المسطرية والنصوص الموضوعية، هو محاولة المشرع المغربي وضع قواعد مسطرية تنظم إجراءات التقاضي في النزاعات الأسرية بشكل مستقل عن باقي الدعاوى الأخرى، من أجل التخفيف من تعقيد هذه القواعد الإجرائية عند تطبيقها عليها، حتى لا تفرغ الضمانات الواردة في مدونة الأسرة، و مراعيا بذلك الخصوصية التي تتميز بها هذه القضايا، ومتفاديا كل الإشكالات المطروحة فيها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.